ثورات الشرق الأوسط... ماذا عن المرأة؟ قلق المراه من الوضع الراهن .

ثورات الشرق الأوسط... ماذا عن المرأة؟


بينما احتفل المصريون أول أمس بـ"جمعة النصر"، بعد مرور الأسبوع الأول على تنحي مبارك عن الحكم، وبينما يجرب التونسيون أنواعاً جديدة من حرية التعبير والصحافة... قامت النساء في البلدين بمسيرات احتجاجية أعربن خلالها عن مخاوفهن من أن تؤدي الديمقراطية الجديدة إلى تآكل حقوقهن.



ففي تونس خرجت عدة مئات من النساء للتعبير عن قلقهن مما يمكن أن تعنيه عودة الجماعات الإسلامية للمشاركة في النظام الجديد. وفي مصر قامت ناشطات حقوق المرأة بتقديم عرائض احتجاج على تشكيل اللجنة المكلفة بتعديل الدستور، والذي لم يتضمن امرأة واحدة.
وفي البلدين على حد سواء هناك دعم لفكرة توسيع الدور الذي تلعبه الشريعة الإسلامية في المجتمع، بيد أن المشكلة تكمن في عدم وجود تفسير واحد للشريعة، مما يؤدي إلى خلافات حول العديد من الأمور المتعلقة بحقوق وحرية المرأة.
وفي الوقت الذي يسعى فيه القادة الجدد في البلدين لإيجاد مقاربة ملائمة للتعامل مع هذه المشكلة ويحاولون المزج بين الشريعة والديمقراطية في آن واحد، فالأمر المؤكد هو أن حقوق المرأة سوف تصبح عنصراً أساسياً من عناصر السجال القانوني والسياسي في البلدين خلال المرحلة المقبلة.
ومن المعروف أن القوانين التي تتناول شؤون المرأة في تونس، وإلى حد ما في مصر، تعتبر هي الأكثر تقدماً في الشرق الأوسط، مما يعني أن خطر التراجع عن هذا التقدم تحت ضغط الإسلاميين في هذين البلدين تحديداً، هو خطر حقيقي، ويفوق ذلك الموجود في بلدان أخرى تشهد اضطرابات حالياً مثل اليمن والبحرين وليبيا والعراق.
وتونس تحديداً، كانت تمثل حصناً من حصون حرية المرأة في منطقة عرفت بأنها تكبلها بالأغلال. فقد حظيت المرأة التونسية، ومنذ الاستقلال، بحقوق في الزواج والطلاق مماثلة لحقوق الرجل، كما أن قانون الأحوال الشخصية الذي فرضه بورقيبة، تضمن بنوداً متطورة نصت على تحريم تعدد الزوجات، وتحديد الحد الأدنى لسن الزواج للمرأة، وكذلك تحديد النسل، والسماح بالإجهاض وفق ضوابط معينة.
وفي نفس الوقت الذي منحت فيه تونس المرأة هذه الحقوق، فإنها قلصت من دور الدين في الحياة العامة، وخصوصاً في نظام الرئيس السابق بن علي، حيث تم القبض على كبار رجال الدين، وتم نفي بعضهم للخارج.
لكن تلك الجرعة المكثفة من العلمانية لم تُحل بين بعض النساء التونسيات وارتداء الحجاب على الرغم من حظره في الأماكن العامه، كما لم تفلح تماماً في القضاء على ظاهرة التدين في المجتمع.
ومن المحتم أن تؤدي الديمقراطية المزمع تطبيقها، إلى إدخال الجماعات الإسلامية إلى التيار العام للسياسة التونسية، مع ما يترتب على ذلك من تأثيرات على النظام العلماني، وعلى حقوق المرأة بصفة خاصة. ومما يشار إليه في هذا الصدد أن بعض الأصوات المحافظة في تونس قد بدأت فعلاً في المطالبة بإعادة النظر في بعض مواد قانون الأحوال الشخصية. وفي نفس الوقت أعرب بعض قادة الحركات الإسلامية، مثل راشد الغنوشي رئيس حزب "النهضة" الإسلامي المحظور، الذي كان منفياً بالخارج وعاد مؤخراً إلى البلاد، عن دعمه لحقوق المرأة، كأنما يريد بذلك إزالة المخاوف التي يثيرها البعض بشأن موقف جماعته من هذا الموضوع.
ومع ذلك فليس من المعروف على وجه التحديد نوع الرؤى الإسلامية التي ستسود في تونس بشأن حرية المرأة: هل هي الرؤى المحافظة أم الرؤى المعتدلة ومنها رؤية الغنوشي الذي عارض قانون الأحوال الشخصية في البداية ولكنه تصالح معه في أواخر الثمانينيات.
وفي مصر، ليس هناك شك في أن الديمقراطية الجديدة سوف تفتح نوافذ فرص مهمة للجماعات الإسلامية التي عانت من التهميش والإقصاء لعقود طويلة.
والمجتمع المصري بشكل عام مجتمع يغلب عليه التدين، وتفضل غالبيته تطبيق الشريعة الإسلامية، وأن تكون هي المصدر الرئيسي للتشريع. لكن هذه الرغبة يقابلها من ناحية أخرى طلب كبير في المجتمع المصري على التحديث، وكراهية لنظام الحكومة الدينية. وقد يكون من المفيد هنا، من أجل التدليل على هذه النقطة، أن نستعيد ما أثاره "الإخوان المسلمون" من جدل واسع في المجتمع المصري عام 2007 عندما تناول بيان صادر عنهم موضوع رئاسة الدولة المصرية، واستثنى المرأة والأقباط من حق الترشح لهذا المنصب الرفيع، كما دعا إلى تكوين هيئة لكبار العلماء تقوم بالنظر في كل مشروع قانون قبل اعتماده للتأكد من موافقته للشريعة الإسلامية أو معارضته لها. وهذه الآراء التي تضمنها البيان المذكور رسخت أسوأ المخاوف التي كان البعض يحملونها تجاه الجماعة، وتجاه ما يمكن أن تفعله بالمجتمع المصري إذا ما صعدت إلى سدة الحكم.
وعملية الإصلاح الدستوري المزمعة في مصر سوف تتضمن العديد من التحديات لحقوق المرأة. فمما لا شك فيه، أن الدستور الجديد سوف يحتوي على دور ما للشريعة الإسلامية التي ينص الدستور الحالي على أنها المصدر الرئيس للتشريع. والسؤال الذي يتردد في الوقت الراهن، خصوصاً في أوساط النساء اللائي ينتابهن القلق هو: أي رؤية للإسلام هي التي ستسود في مصر؟
في نظام ديمقراطي أكثر سيولة سوف تجد جماعات المرأة في مصر وتونس نفسها مضطرة إلى تكوين ائتلافات مع الزعماء الدينيين المعتدلين الذين يتبنون رؤية منفتحة وعصرية للشريعة. كما ستجد المرأة في البلدين أن هناك حاجة أيضا للانفتاح على العالم الخارجي ووسائل الإعلام العالمية لإيصال صوتها للخارج والحصول على ما تحتاج إليه من دعم دون أن تبدو وكأنها متأثرة أكثر مما يلزم بالنفوذ الغربي. وعلى النساء في البلدين أن يدركن أيضاً أن موضوع حقوق المرأة قد يستغل كورقة للمساومة من قبل أصحاب أجندات أخرى، كما حدث في العراق على سبيل المثال حين فكرت حكومة العراق المنتخبة ديمقراطياً في التراجع عن قوانين الأسرة المتطورة التي كانت مطبقة في عهد حزب "البعث" الاستبدادي. ولولا رد الفعل من جانب جماعات المرأة، والفيتو الذي استخدمته الولايات المتحدة ومنعت من خلاله المضي قدماً في تلك الخطوة، لكان هذا التراجع قد تم بالفعل.
وخلال الشهور القادمة، على النساء في مصر وتونس أن يكنَّ على أهبة الاستعداد لمواجهة لحظات فارقة مثل هذه اللحظة.