الحقيقة والأوهام.. واغتيال السادات!!

الحقيقة والأوهام.. واغتيال السادات!!

تقدمت«رقية» ابنة الرئيس المصري الأسبق أنور السادات من زوجته الأولى ببلاغ إلى النيابة العامة في مصر تطلب إعادة التحقيق في اغتيال والدها على أساس أن هناك وقائع جديدة تكشفت لها أكدت اقتناعها بأن هناك«آخرين» قد اغتالوا السادات وليس خالد الإسلامبولي ورفاقه، ومع الإشارة بإصبع الاتهام إلى الرئيس المتنحي حسني مبارك الذي كان نائبا للسادات حتى اغتياله، تقول ابنة السادات إنها شاهدت خالد الإسلامبولي أثناء أدائها فريضة الحج قبل ‬15 سنة وأنه لم يعدم ؟ كما قيل ؟ بل أطلق سراحه!!
الرئيس المتنحي مبارك يواجه اليوم كل الاتهامات الحقيقية وغير الحقيقية. وقد جاءت اتهامات ابنة السادات مع الإفراج عن عبود الزمر أحد المتهمين في قضية اغتيال الرئيس المصري الأسبق، والضجة الإعلامية التي صاحبته وأحاديثه الصحفية والتليفزيونية التي أثارت الرأي العام بتطرفها، وتطرقه إلى اغتيال السادات الذي لم يشارك فيه إلا بتزويد فرقة الاغتيال ببعض الذخائر لأنه كان مختبئا عن الأنظار بعد فشل محاولة أخرى قادها مع بعض زملائه في جهاز المخابرات قبل أيام من مصرع السادات، وقد قبض على كل زملائه وتمكن هو من الهرب، وظهر السادات في خطاب شهير يهدده ويتوعده، ولم يقبض عليه إلا بعد أيام من حادث المنصة.
والحديث عن شبهات أحاطت بحادث المنصة قديم. وأتذكر بعض جلسات محاكمة شقيق السادات بتهم تتعلق بالفساد بعد مصرع شقيقه. وكان الرئيس الأسبق قد أنشأ محكمة للقضايا السياسية لمحاكمة معارضيه الذين شملتهم قرارات سبتمبر الشهيرة (قبل أسابيع من اغتياله) والتي ضمت كل التيارات السياسية والدينية. وتشاء الأقدار أن يكون أول من يمثل أمام هذه المحكمة هم شقيقه وأبناؤه!!
حضرت العديد من جلسات المحاكمة، وفي أكثر من مرة كان المتهمون أو أقاربهم في القاعة يقولون إن المحاكمة سياسية وأن هدفها التغطية عن حقائق مخفية حول اغتيال الرئيس الأسبق، ويهددون بالتكلم.. ثم يتوقفون عند ذلك أو يوقفهم الأهل عن الاسترسال في الحديث!!
وقبل كل ذلك كان هناك حديث عن أن السيدة جيهان السادات تابعت تشريح الجثة والتقارير الطبية للتأكد من شيء واحد وهو: هل قتل زوجها برصاصات الإسلامبولي ورفاقه.. أم برصاصات من الخلف؟!
وكانت كل الروايات التي ألقت الشبهات يومها تدور حول السهولة الهائلة التي تم بها الاغتيال، وعدم وجود مقاومة حقيقية من الحراسة التي كانت مشددة بحكم التهديدات التي كان يواجهها السادات وتكرار محاولات اغتياله وما وصل من معلومات عن احتمال قيام محاولة أخرى.. حتى إن البعض اقترح يومها إلغاء العرض العسكري وتأجيله إلى ابريل ليتم الاحتفال مع الانسحاب المقرر للقوات الإسرائيلية من سيناء، ولكن السادات رفض.
كما رفض ارتداء القميص الواقي من الرصاص الذي كانت الأجهزة المختصة قد جاءت له بأحدث طراز منه وهو إسباني الصنع، بل إن المسئولين عن تأمين سلامته من الحرس الجمهوري (وبعضهم مازال على قيد الحياة) فوجئوا به يطلب منهم أن يبعدوا الحراسة من أمام المنصة وأن تتركز فقط خلف المنصة على افتراض أن الضابط الهارب يومها (عبود الزمر) يمكن أن يشن هجوما من الخلف لاقتحام المكان مع بعض زملائه..
وتم تنفيذ أوامر السادات لتأتي المفاجأة من حيث لا يحتسب وفي ظل غياب تام لأي حراسة مسلحة قادرة على اعتراض الإسلامبولي ورفاقه!! وجاء الرد المتأخر بعد ذلك من أسلحة شخصية صغيرة (مسدسات) لبعض القيادات العسكرية الموجودة بالمنصة. ومن الحراسة الشخصية التي كانت ترافق بعض الشخصيات ومنها السفير الأميركي.. وهو ما أثار بعد ذلك الكثير من الأقاويل حول إمكانية أن يكون هناك دور فيما حدث للضابطين الأميركيين اللذين كانا يحرسان السفير الأميركي، وما إذا كان هناك قرار أميركي بأن دور الرجل انتهى.
ويومها قيلت روايات (بلا سند حقيقي) عن زيارة الرئيس المتنحي حسني مبارك لواشنطن قبل شهر من حادث المنصة ومباحثاته مع كبار المسؤولين هناك وقد تم بعضها في غياب السفير المصري، كما قيل الكثير عن أسباب عدم إصابة مبارك بأي إصابات تذكر وهو يجلس في المقعد المجاور للسادات!!
وفي حوار مع الإسلامبولي ورفاقه أجراه زميلنا حسني أبو اليزيد الذي تمكن من مقابلتهم في سجنهم بضع مرات، أكدوا أن هدفهم كان السادات وحده. وقال أحدهم (عبد الحميد عبد السلام): كان الرئيس حسني مبارك وأبو غزالة يبعدان عني حوالي ‬80 سم وكان من السهل جدا تحريك بندقيتي نحوهم. ولكن هدفنا كان واحدا وهو قتل السادات.. وقد أفرغت في صدر السادات ثلاث دفعات من ‬14 إلى ‬18 طلقة وتبقى معي حوالي ثماني طلقات.. ضربتها في سقف المنصة!!
وعندما نقل لهم الزميل حسني ما أشيع عن أن المخابرات الأميركية هي التي قتلت السادات غضبوا بشدة، وقال الإسلامبولي: والله لو كان في تدبيرنا أو تخطيطنا خيط رفيع يربطنا بمن تسمونهم استخبارات أميركا، لما أقدمنا على هذا العمل.
كان ذلك في يوم ‬14 ابريل ,‬1982. نفس اليوم الذي تم فيه تنفيذ حكم الإعدام فيهم. ورحلوا وهم لا يدرون أنه بعد ثلاثين سنة سيفتح الملف مرة أخرى ويطرح السؤال: من قتل السادات؟!